الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح القدير للعاجز الفقير
وَلِمَا رَأَى مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ مُجَرَّدَ النَّفْيِ لَا يُفِيدُ فِي الْمَقْصُودِ قَالَ: يُحْبَسُ فِي بَلْدَةِ النَّفْيِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَقْصُودَ لَا يَتَفَاوَتُ بِالْحَبْسِ فِي بَلْدَةِ النَّفْيِ وَغَيْرِهَا فَيَقَعُ تَعْيِينُ بَلْدَةِ النَّفْيِ فِي غَيْرِ الْفَائِدَةِ الْمَطْلُوبَةِ.قولهُ: (وَالرَّابِعَةُ) أَيْ مِنْ أَنْوَاعِ هَذِهِ الْجِنَايَةِ (مَا إذَا قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ فَالْإِمَامُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ مِنْ خِلَافٍ وَقَتَلَهُمْ وَصَلَبَهُمْ وَإِنْ شَاءَ قَتَلَهُمْ) بِلَا صَلْبٍ وَقَطْعٍ (وَإِنْ شَاءَ صَلَبَهُمْ) أَحْيَاءً ثُمَّ قَتَلَهُمْ، وَهَذَا قول أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ.وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا بُدَّ مِنْ الصَّلْبِ لِلنَّصِّ فِي الْحَدِّ، وَلَا يَجُوزُ تَرْكُ الْحَدِّ كَالْقَتْلِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ.أَجَابَ بِأَنَّ أَصْلَ التَّشْهِيرِ يَحْصُلُ بِالْقَتْلِ وَالْمُبَالَغَةِ بِالصَّلْبِ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَبَ الْعُرَنِيِّينَ وَلَا غَيْرُهُ صَلَبَ أَحَدًا، مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ النَّصِّ لَا يُحَتِّمُ الصَّلْبَ، فَإِنَّ قوله: {أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا} إنَّمَا يُفِيدُ أَنْ يُقَتَّلُوا بِلَا صَلْبٍ أَوْ يُصَلَّبُوا بِلَا قَتْلٍ، لَكِنْ يُقْتَلُ بَعْدَ الصَّلْبِ مَصْلُوبًا بِالْإِجْمَاعِ.وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يُقْطَعُ وَلَكِنْ يُقْتَلُ أَوْ يُصْلَبُ.وَفِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ مِنْ الْمَباسِيطِ وَشُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ذِكْرُ أَبِي يُوسُفَ مَعَ مُحَمَّدٍ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ إنْ كَانَ الْقَاطِعُ ذَا رَأْيٍ، وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ مَعَ أَبِي يُوسُفَ فِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الصَّلْبِ وَمَعَ مُحَمَّدٍ فِي أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ (وَجْهُ قولهِمْ: إنَّهُ جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ) هِيَ جِنَايَةُ قَطْعِ الطَّرِيقِ (فَلَا تُوجِبُ حَدَّيْنِ، وَلِأَنَّ مَا دُونَ النَّفْسِ فِي بَابِ الْحَدِّ يَدْخُلُ فِي النَّفْسِ كَحَدِّ السَّرِقَةِ وَالرَّجْمِ) إذَا اجْتَمَعَا بِأَنْ سَرَقَ الْمُحْصَنُ ثُمَّ زَنَى فَإِنَّهُ يُرْجَمُ وَلَا يُقْطَعُ اتِّفَاقًا (وَلَهُمَا) أَيْ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَهَذَا عَلَى اعْتِبَارِ أَبِي يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا مَعَ مُحَمَّدٍ (أَنَّ هَذِهِ) الْجِنَايَةَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ قَطَعَ الطَّرِيقَ فَهَذَا الْمَجْمُوعُ مِنْ الْقَطْعِ وَالْقَتْلِ أَيْضًا (عُقُوبَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنَّمَا تَغَلَّظَتْ لِتَغَلُّظِ سَبَبِهَا) حَيْثُ بَلَغَ النِّهَايَةَ فِي تَفْوِيتِ الْأَمْنِ (حَيْثُ فَوَّتَ الْأَمْنَ عَلَى الْمَالِ وَالنَّفْسِ بِالْقَتْلِ وَأَخْذِ الْمَالِ) وَكَوْنُهَا أُمُورًا مُتَعَدِّدَةً لَا يَسْتَلْزِمُ تَعَدُّدَ الْحُدُودِ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ؛ أَلَّا يُرَى أَنَّ قَطْعَ الْيَدِ وَالرِّجْلِ فِيهَا حَدٌّ وَاحِدٌ وَهُوَ فِي الصُّغْرَى حَدَّانِ، وَلِأَنَّ مُقْتَضَى التَّوْزِيعِ الَّذِي لَزِمَ اعْتِبَارُهُ أَنْ يَتَعَيَّنَ الْقَطْعُ ثُمَّ الْقَتْلُ؛ لِأَنَّ التَّوْزِيعَ أَدَّى إلَى أَنَّ مَنْ أَخَذَ الْمَالَ قُطِعَ.وَهَذَا قَدْ أَخَذَهُ فَيُقْطَعُ، وَأَنَّ مَنْ قَتَلَ يُقْتَلُ أَوْ يُصْلَبُ، وَهَذَا قَتَلَ فَيَجِبُ أَنْ يُجْمَعَ لَهُ بَيْنَ الْقَطْعِ وَالْقَتْلِ، إلَّا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِيمَا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ عَلَى الِانْفِرَادِ، فَأَمَّا عَلَى الِاجْتِمَاعِ فَجَازَ أَنْ يُؤْخَذَ حُكْمُهُ مِنْ الِانْفِرَادِ فَجَازَ ذَلِكَ لِلْإِمَامِ، وَمَا ذَكَرَ مِنْ دُخُولِ مَا دُونَ النَّفْسِ فِي النَّفْسِ هُوَ مَا إذَا كَانَا حَدَّيْنِ أَحَدُهُمَا غَيْرُ النَّفْسِ وَالْآخَرُ النَّفْسُ، أَمَّا إذَا كَانَ ذَلِكَ حَدًّا وَاحِدًا فَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَتِهِ فَهِيَ أَجْزَاءُ حَدٍّ وَاحِدٍ غَيْرَ أَنَّهُ إنْ بَدَأَ بِالْجُزْءِ الَّذِي لَا تَتْلَفُ بِهِ النَّفْسُ فَعَلَى الْآخَرِ، وَإِنْ بَدَأَ بِمَا تَتْلَفُ بِهِ لَا يَفْعَلُ الْآخَرَ لِانْتِفَاءِ الْفَائِدَةِ، وَهُوَ الضَّرْبُ بَعْدَ الْمَوْتِ.قولهُ: (ثُمَّ قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِيمَا إذَا اخْتَارَ الْإِمَامُ صَلْبَهُ، أَوْ مَا إذَا قُلْنَا بِلُزُومِهِ عَلَى قول أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ (يُصْلَبُ حَيًّا وَيُبْعَجُ بَطْنُهُ إلَى أَنْ يَمُوتَ، وَمِثْلُهُ عَنْ الْكَرْخِيِّ وَجْهُ قولهِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّ الصَّلْبَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَبْلُغُ فِي الرَّدْعِ) وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ الزَّجْرُ وَهُوَ بِمَا يَحْصُلُ فِي الْحَيَاةِ لَا بِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: النَّصُّ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّهُ قَالَ: {أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا} فَلَزِمَ كَوْنُ الصَّلْبِ بِلَا قَتْلٍ لِأَنَّهُ مُعَانِدٌ لَهُ بِحَرْفِ الْعِنَادِ فَلَا يَتَصَادَقُ مَعَهُ، وَالْقَتْلُ الَّذِي يَعْرِضُ بَعْدَ الصَّلْبِ لَيْسَ فِي اللَّفْظِ.وَعَنْ الطَّحَاوِيِّ يُقْتَلُ ثُمَّ يُصْلَبُ تَوَقِّيًا عَنْ الْمُثْلَةِ، فَإِنَّهَا نُسِخَتْ مِنْ لَدُنْ الْعُرَنِيِّينَ عَلَى مَا عُرِفَ.لَا يُقَالُ: وَجْهُ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْأَصَحُّ لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يُكَافِئُ وَجْهَ الطَّحَاوِيِّ.لِأَنَّا نَقول: الْحَاصِلُ لَيْسَ غَيْرُ صَلْبٍ وَقَتْلٍ بِطَعْنِ الرُّمْحِ، وَالثَّانِي هُوَ الْمُعْتَادُ بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّ عَادَتَهُمْ الْقَتْلُ بِهِ فَلَيْسَ مُثْلَةً عِنْدَهُمْ كَمَا هُوَ فِي جَدْعِ الْأُذُنَيْنِ وَقَطْعِ الْأَنْفِ وَسَمْلِ الْعَيْنَيْنِ، فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ مُثْلَةٌ فَالصَّلْبُ لَيْسَ غَيْرُ وَهُوَ مَقْطُوعٌ بِشَرْعِيَّتِهِ، فَتَكُونُ هَذِهِ الْمُثْلَةُ الْخَاصَّةُ مُسْتَثْنَاةً مِنْ الْمَنْسُوخِ قَطْعًا لَا يَحْتَمِلُ الشَّكَّ ثُمَّ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِهِ يَدْفِنُونَهُ، وَعَلِمْت فِي كِتَابِ الشَّهِيدِ أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَى قَاطِعِ الطَّرِيقِ (وَلَا يُصْلَبُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهُ يَتَغَيَّرُ بَعْدَهَا فَيَتَأَذَّى بِهِ النَّاسُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُتْرَكُ عَلَى خَشَبَةٍ حَتَّى يَتَقَطَّعَ فَيَسْقُطَ لِيَعْتَبِرَ بِهِ غَيْرُهُ. قُلْنَا: حَصَلَ الِاعْتِبَارُ بِمَا ذَكَرْنَا وَالنِّهَايَةُ غَيْرُ لَازِمَةٍ) مِنْ النَّصِّ، وَكَوْنُهُ أَمَرَ بِالصَّلْبِ لَا يَقْتَضِي الدَّوَامَ بَلْ بِمِقْدَارٍ مُتَعَارَفٍ لِإِيلَاءِ الْأَعْذَارِ كَمَا فِي مُهْلَةِ الْمُرْتَدِّ وَغَيْرِهِ كَمَا فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ.متن الهداية:قَالَ: (وَإِذَا قَتَلَ الْقَاطِعُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي مَالٍ أَخَذَهُ) اعْتِبَارًا بِالسَّرِقَةِ الصُّغْرَى وَقَدْ بَيَّنَّاهُ.الشَّرْحُ:قولهُ: (وَإِذَا قَتَلَ الْقَاطِعُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي مَالٍ أَخَذَهُ) لِمَا بَيَّنَّا فِي السَّرِقَةِ الصُّغْرَى مِنْ سُقُوطِ عِصْمَتِهِ بِالْقَطْعِ.متن الهداية:(فَإِنْ بَاشَرَ الْقَتْلَ أَحَدُهُمْ أَجْرَى الْحَدَّ عَلَيْهِمْ بِأَجْمَعِهِمْ) لِأَنَّهُ جَزَاءَ الْمُحَارَبَةِ، وَهِيَ تَتَحَقَّقُ بِأَنْ يَكُونَ الْبَعْضُ رِدْءًا لِلْبَعْضِ حَتَّى إذَا زَلَّتْ أَقْدَامُهُمْ انْحَازُوا إلَيْهِمْ، وَإِنَّمَا الشَّرْطُ الْقَتْلُ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَقَدْ تَحَقَّقَ.قَالَ: (وَالْقَتْلُ وَإِنْ كَانَ بَعْضًا أَوْ بِحَجَرٍ أَوْ بِسَيْفٍ فَهُوَ سَوَاءٌ) لِأَنَّهُ يَقَعُ قَطْعًا لِلطَّرِيقِ بِقَطْعِ الْمَارَّةِ.الشَّرْحُ:قولهُ: (وَإِنْ بَاشَرَ الْقَتْلَ أَحَدُهُمْ) أَيْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَالْبَاقُونَ وُقُوفٌ لَمْ يَقْتُلُوا مَعَهُ وَلَمْ يُعِينُوهُ (أُجْرِيَ الْحَدُّ عَلَى جَمِيعِهِمْ) فَيُقْتَلُوا، وَلَوْ كَانُوا مِائَةً بِقَتْلٍ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَاحِدًا (لِأَنَّ الْقَتْلَ جَزَاءُ الْمُحَارَبَةِ) الَّتِي فِيهَا قَتْلٌ بِالنَّصِّ مَعَ التَّوْزِيعِ (وَالْمُحَارَبَةُ تَتَحَقَّقُ بِأَنْ يَكُونَ الْبَعْضُ رِدْءًا لِلْبَعْضِ حَتَّى إذَا انْهَزَمُوا انْحَازُوا إلَيْهِمْ) وَقَدْ تَحَقَّقَتْ الْمُحَارَبَةُ مَعَ الْقَتْلِ فَيَشْمَلُ الْجَزَاءُ الْكُلَّ، وَهُوَ قول مَالِكٍ وَأَحْمَدَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ.قُلْنَا إنَّهُ حُكْمٌ تَعَلَّقَ بِالْمُحَارَبَةِ فَيَسْتَوِي فِيهِ الْمُبَاشِرُ وَالرِّدْءُ كَالْغَنِيمَةِ.وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْقَتْلِ بِسَيْفٍ أَوْ عَصًا أَوْ حَجَرٍ فِي قَتْلِ الْكُلِّ وَإِنْ لَمْ يُوجِبْ أَبُو حَنِيفَةَ الْقِصَاصَ بِالْمُثَقَّلِ، لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِطَرِيقِ الْقِصَاصِ فَلَا يَسْتَدْعِي الْمُمَاثَلَةَ، وَلِهَذَا يُقْتَلُ غَيْرُ الْمُبَاشِرِ.متن الهداية:(وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْ الْقَاطِعُ وَلَمْ يَأْخُذْ مَالًا وَقَدْ جَرَحَ اُقْتُصَّ مِنْهُ فِيمَا فِيهِ الْقِصَاصُ، وَأُخِذَ الْأَرْشُ مِنْهُ فِيمَا فِيهِ الْأَرْشُ وَذَلِكَ إلَى الْأَوْلِيَاءِ) لِأَنَّهُ لَا حَدَّ فِي هَذِهِ الْجِنَايَةِ فَظَهَرَ حَقُّ الْعَبْدِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ فَيَسْتَوْفِيهِ الْوَلِيُّ (وَإِنْ أَخَذَ مَالًا ثُمَّ جَرَحَ قُطِعَتْ يَدُهُ وَرَجْلُهُ وَبَطَلَتْ الْجِرَاحَاتُ) لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ الْحَدُّ حَقًّا لِلَّهِ سَقَطَتْ عِصْمَةُ النَّفْسِ حَقًّا لِلْعَبْدِ كَمَا تَسْقُطُ عِصْمَةُ الْمَالِ (وَإِنْ أُخِذَ بَعْدَ مَا تَابَ وَقَدْ قَتَلَ عَمْدًا فَإِنْ شَاءَ الْأَوْلِيَاءُ قَتَلُوهُ وَإِنْ شَاءُوا عَفَوْا عَنْهُ) لِأَنَّ الْحَدَّ فِي هَذِهِ الْجِنَايَةِ لَا يُقَامُ بَعْدَ التَّوْبَةِ لِلِاسْتِثْنَاءِ الْمَذْكُورِ فِي النَّصِّ، وَلِأَنَّ التَّوْبَةَ تَتَوَقَّفُ عَلَى رَدِّ الْمَالِ وَلَا قَطْعَ فِي مِثْلِهِ، فَظَهَرَ حَقُّ الْعَبْدِ فِي النَّفْسِ وَالْمَالِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْوَلِيُّ الْقِصَاصَ أَوْ يَعْفُوَ، وَيَجِبُ الضَّمَانُ إذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ.الشَّرْحُ:(وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْ الْقَاطِعُ وَلَمْ يَأْخُذْ مَالًا وَقَدْ جَرَحَ) فَمَا كَانَ مِنْ جِرَاحَةٍ يَجْرِي فِيهَا الْقِصَاصُ (اُقْتُصَّ وَمَا كَانَ لَا يَجْرِي فِيهِ ذَلِكَ لَزِمَهُ الْأَرْشُ) وَيُعْرَفُ مَا يُقْتَصُّ بِهِ وَمَا لَا يُقْتَصُّ فِي الْجِنَايَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَهَذَا (لِأَنَّهُ لَا حَدَّ فِي هَذِهِ الْجِنَايَةِ) مِنْ قَطْعٍ أَوْ قَتْلٍ (فَظَهَرَ حَقُّ الْعَبْدِ فَيَسْتَوْفِيهِ الْوَلِيُّ وَإِنْ أَخَذَ مَالًا ثُمَّ جَرَحَ قُطِعَتْ يَدُهُ وَرِجْلُهُ) مِنْ خِلَافٍ (وَبَطَلَتْ الْجِرَاحَاتُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ الْحَدُّ حَقًّا لِلَّهِ سَقَطَتْ عِصْمَةُ النَّفْسِ) أَيْ مَا حَلَّ بِهَا مِنْ تَفْرِيقِ اتِّصَالِ الْجِسْمِ بِالْجِرَاحَاتِ (حَقًّا لِلْعَبْدِ كَمَا تَسْقُطُ عِصْمَةُ الْمَالِ) وَلِذَا تَبْطُلُ الْجِرَاحَاتُ إذَا قَتَلَ فَقُتِلَ حَدًّا؛ لِأَنَّ الْحَدَّ وَالضَّمَانَ لَا يَجْتَمِعَانِ قولهُ: (وَإِنْ أُخِذَ بَعْدَمَا تَابَ) سَقَطَ الْحَدُّ عَنْهُ بِلَا خِلَافٍ بِالنَّصِّ.قَالَ تعالى: {إلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} فَإِنْ كَانَ قَدْ قَتَلَ (فَإِنْ شَاءَ الْأَوْلِيَاءُ قَتَلُوهُ وَإِنْ شَاءُوا عَفَوْا عَنْهُ) لِأَنَّ هَذَا الْقَتْلَ قِصَاصٌ فَصَحَّ الْعَفْوُ عَنْهُ وَالصُّلْحُ بِهِ، وَحِينَئِذٍ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قَتْلٌ بِحَدِيدٍ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَجِبُ إلَّا بِهِ، وَنَحْوِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَا إذَا كَانَ أَخَذَ مَالًا ثُمَّ تَابَ فَإِنَّ صَاحِبَهُ إنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ إنْ كَانَ هَالِكًا وَيَأْخُذُهُ إنْ كَانَ قَائِمًا لِأَنَّهُ لَا يُقْطَعُ بَعْدَ التَّوْبَةِ لِسُقُوطِ الْحَدِّ (فَظَهَرَ حَقُّ الْعَبْدِ فِي مَالِهِ كَمَا فِي النَّفْسِ) وَفِي الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ: رَدُّ الْمَالِ مِنْ تَمَامِ تَوْبَتِهِمْ لِتَنْقَطِعَ بِهِ خُصُومَةُ صَاحِبِهِ.وَلَوْ تَابَ وَلَمْ يَرُدَّ الْمَالَ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْكِتَابِ.وَاخْتَلَفُوا فِيهِ فَقِيلَ لَا يَسْقُطُ الْحَدُّ كَسَائِرِ الْحُدُودِ لَا تَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ، وَقِيلَ يَسْقُطُ أَشَارَ إلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ لِأَنَّ التَّوْبَةَ تُسْقِطُ الْحَدَّ فِي السَّرِقَةِ الْكُبْرَى بِخُصُوصِهَا لِلِاسْتِثْنَاءِ فِي النَّصِّ فَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهَا عَلَى بَاقِي الْحُدُودِ مَعَ مُعَارَضَةِ النَّصِّ، وَسَائِرُ الْحُدُودِ لَا تَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ عِنْدَنَا، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ وَالشَّافِعِيُّ فِي قول، وَعَنْهُمَا تَسْقُطُ لِقولهِ تعالى: {وَاَللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا} وَنَحْنُ نَقْطَعُ بِأَنَّ رَجْمَ مَاعِزٍ وَالْغَامِدِيَّةِ كَانَ بَعْدَ تَوْبَتِهِمَا، وَالْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ، إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ.وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَقول الْمُصَنِّفُ وَلِأَنَّ التَّوْبَةَ تَتَوَقَّفُ عَلَى رَدِّ الْمَالِ وَلَا قَطْعَ فِي مِثْلِهِ شَبَهُ التَّنَاقُضِ، لِأَنَّهَا إذَا تَوَقَّفَتْ عَلَى رَدِّ الْمَالِ فَأَخَذَ الْقَاطِعُ قَبْلَ الرَّدِّ أُخِذَ قَبْلَ التَّوْبَةِ، وَالْأَخْذُ قَبْلَ التَّوْبَةِ بَعْدَ أَخْذِ الْمَالِ فِيهِ الْحَدُّ بِقَطْعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ.أُجِيبَ بِفَرْضِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا رَدَّ بَعْضَهُ فَإِنَّهُ عَلَامَةُ تَوْبَتِهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ شُبْهَةً فِي سُقُوطِ الْحَدِّ فَيَجِبُ الضَّمَانُ لَوْ هَلَكَ الْبَاقِي أَوْ اسْتَهْلَكَهُ؛ وَمِثْلُ مَا لَوْ أُخِذُوا بَعْدَ التَّوْبَةِ فِي سُقُوطِ الْحَدِّ وَالرُّجُوعِ إلَى الْقِصَاصِ وَتَصَرُّفِ الْأَوْلِيَاءِ فِيهِ وَفِي الْمَالِ مَا لَوْ أُخِذُوا قَبْلَ التَّوْبَةِ وَقَدْ قَتَلُوا، وَلَكِنْ أَخَذُوا مِنْ الْمَالِ قَلِيلًا لَا يُصِيبُ كُلًّا نِصَابٌ فَإِنَّ الْأَمْرَ فِي الْقَتْلِ وَالْجَرْحِ إلَى الْأَوْلِيَاءِ إنْ شَاءُوا قَتَلُوا قِصَاصًا وَإِنْ شَاءُوا عَفَوْا.وَقَالَ عِيسَى: يَقْتُلُهُمْ الْإِمَامُ حَدًّا لِأَنَّهُمْ لَوْ قَتَلُوا وَلَمْ يَأْخُذُوا شَيْئًا مِنْ الْمَالِ قَتَلَهُمْ حَدًّا لَا قِصَاصًا، وَهَذَا لِأَنَّ مَا دُونَ النِّصَابِ كَالْعَدَمِ، وَلِأَنَّهُ تَتَغَلَّظُ جِنَايَتُهُمْ بِأَخْذِ شَيْءٍ مِنْ الْمَالِ فَلَا يَسْقُطُ الْحَدُّ.وَالْأَصَحُّ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ لِأَنَّ وُجُوبَ الْحَدِّ عَلَيْهِمْ بِاعْتِبَارِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَهُمْ يَقْصِدُونَ بِالْقَطْعِ أَخْذَ الْمَالِ، وَقَتْلُهُمْ لَيْسَ إلَّا لِيَصِلُوا إلَيْهِ، فَإِذَا تَرَكُوا أَخْذَ الْمَالِ عَرَفْنَا أَنَّ قَصْدَهُمْ الْقَتْلُ لَا الْقَطْعُ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ لَيْسَ إلَّا لِلْمَالِ فَيُقْتَصُّ مِنْهُمْ إنْ شَاءَ الْوَلِيُّ وَتَجْرِي فِيهِ أَحْكَامُ الْقِصَاصِ.متن الهداية:(وَإِنْ كَانَ مِنْ الْقُطَّاعِ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْبَاقِينَ) فَالْمَذْكُورُ فِي الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ قول أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ.وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَوْ بَاشَرَ الْعُقَلَاءُ يُحَدُّ الْبَاقُونَ وَعَلَى هَذَا السَّرِقَةُ الصُّغْرَى.لَهُ أَنَّ الْمُبَاشِرَ أَصْلٌ، وَالرَّدُّ تَابِعٌ وَلَا خَلَلَ فِي مُبَاشَرَةِ الْعَاقِلِ وَلَا اعْتِبَارَ بِالْخَلَلِ فِي التَّبَعِ، وَفِي عَكْسِهِ يَنْعَكِسُ الْمَعْنَى وَالْحُكْمُ.وَلَهُمَا أَنَّهُ جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ قَامَتْ بِالْكُلِّ، فَإِذَا لَمْ يَقَعْ فِعْلُ بَعْضِهِمْ مُوجِبًا كَانَ فِعْلُ الْبَاقِينَ بَعْضَ الْعِلَّةِ وَبِهِ لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ فَصَارَ كَالْخَاطِئِ مَعَ الْعَامِدِ.وَأَمَّا ذُو الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ فَقَدْ قِيلَ تَأْوِيلُهُ إذَا كَانَ الْمَالُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِمْ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مُطْلَقٌ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ وَاحِدَةٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فَالِامْتِنَاعُ فِي حَقِّ الْبَعْضِ يُوجِبُ الِامْتِنَاعَ فِي حَقِّ الْبَاقِينَ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِيهِمْ مُسْتَأْمَنٌ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ فِي حَقِّهِ لِخَلَلٍ فِي الْعِصْمَةِ وَهُوَ يَخُصُّهُ، أَمَّا هُنَا الِامْتِنَاعُ لِخَلَلٍ فِي الْحِرْزِ، وَالْقَافِلَةُ حِرْزٌ وَاحِدٌ (وَإِذَا سَقَطَ الْحَدُّ صَارَ الْقَتْلُ إلَى الْأَوْلِيَاءِ) لِظُهُورِ حَقِّ الْعَبْدِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ (فَإِنْ شَاءُوا قَتَلُوا وَإِنْ شَاءُوا عَفَوْا).الشَّرْحُ:قولهُ: (وَإِنْ كَانَ مِنْ الْقُطَّاعِ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْبَاقِينَ) فَتَظْهَرُ أَحْكَامُ الْقِصَاصِ وَتَضْمِينُ الْمَالِ وَالْجِرَاحَاتِ.وَفِي الْمَبْسُوطِ: تَابُوا وَفِيهِمْ عَبْدٌ قَطَعَ يَدَ حُرٍّ دَفَعَهُ مَوْلَاهُ أَوْ فَدَاهُ كَمَا لَوْ فَعَلَهُ فِي غَيْرِ قَطْعِ الطَّرِيقِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ قِصَاصٌ بَيْنَ الْعَبِيدِ وَالْأَحْرَارِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ فَيَبْقَى حُكْمُ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ، فَإِنْ كَانَتْ فِيهِمْ امْرَأَةٌ فَعَلَتْ ذَلِكَ فَعَلَيْهَا دِيَةُ الْيَدِ فِي مَالِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا قِصَاصَ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي الْأَطْرَافِ، وَالْوَاقِعُ مِنْهَا عَمْدٌ لَا تَعْقِلُهُ الْعَاقِلَةُ.قَالَ الْمُصَنِّفُ (فَالْمَذْكُورُ فِي الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ قول أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَوْ بَاشَرَ الْعُقَلَاءُ) الْأَخْذَ وَالْقَتْلَ (يُحَدُّ الْبَاقُونَ) وَإِنْ بَاشَرَ ذَلِكَ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ فَلَا حَدَّ عَلَى الْبَاقِينَ.وَقِيلَ كَانَ الْوَجْهُ أَنْ يَقول: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ بَعْدَ أَنْ قَالَ الْمَذْكُورُ فِي الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ قول أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ، أَوْ يَقول الْمَذْكُورُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا.وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ كَمَا قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ وَغَيْرِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ قول مُحَمَّدٍ وَاكْتَفَى بِقولهِ: الْعُقَلَاءُ عَنْ الْبَالِغِينَ فَإِنَّ الْعُقَلَاءَ مِمَّا يُقَالُ فِي مُقَابِلَةِ الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ (وَعَلَى هَذَا السَّرِقَةُ الصُّغْرَى) إنْ وَلِي الْمَجْنُونُ أَوْ الصَّبِيُّ إخْرَاجَ الْمَتَاعِ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْكُلِّ، وَإِنْ وَلِيَ غَيْرُهُمَا قُطِعُوا إلَّا الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ.وَقَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ: لَا يَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْ غَيْرِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَذِي الرَّحِمِ؛ لِأَنَّهَا شُبْهَةٌ اخْتَصَّ بِهَا وَاحِدٌ فَلَا يَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْ الْبَاقِينَ (لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمُبَاشِرَ أَصْلٌ وَالرِّدْءَ تَابِعٌ، فَفِي مُبَاشَرَةِ الْعَاقِلِ الْخَلَلُ فِي التَّبَعِ وَلَا عِبْرَةَ بِهِ بَعْدَ أَنْ لَا خَلَلَ فِي الْأَصْلِ) فَيُحَدُّ الْبَاقُونَ (وَفِي عَكْسِهِ) وَهُوَ أَنْ يُبَاشِرَ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ (يَنْعَكِسُ الْمَعْنَى) وَهُوَ السُّقُوطُ عَنْ الْأَصْلِ، فَإِنَّ السُّقُوطَ حِينَئِذٍ فِي التَّبَعِ فَيَنْعَكِسُ الْحُكْمُ وَهُوَ حَدُّ الْبَاقِينَ فَلَا يُحَدُّونَ (وَلَهُمَا) أَيْ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ (أَنَّ قَطْعَ الطَّرِيقِ جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ) لِأَنَّ الْمَوْجُودَ مِنْ الْكُلِّ يُسَمَّى جِنَايَةَ قَطْعِ الطَّرِيقِ غَيْرَ أَنَّهَا لَا تَتَحَقَّقُ فِي الْغَالِبِ إلَّا بِجَمَاعَةٍ فَكَانَ الصَّادِرُ مِنْ الْكَثِيرِ جِنَايَةً وَاحِدَةً (قَامَتْ بِالْكُلِّ، فَإِذَا لَمْ يَقَعْ فِعْلُ بَعْضِهِمْ مُوجِبًا) لِلْحَدِّ لِشُبْهَةٍ أَوْ عَدَمِ تَكْلِيفٍ لَا يُوجِبُ فِي حَقِّ الْبَاقِينَ؛ لِأَنَّ (فِعْلَ الْبَاقِينَ) حِينَئِذٍ (بَعْضُ الْعِلَّةِ وَ) بِبَعْضِ الْعِلَّةِ (لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ وَصَارَ كَالْخَاطِئِ مَعَ الْعَامِدِ) إذَا اجْتَمَعَا فِي قَتْلِ مَعْصُومِ الدَّمِ يَسْقُطُ الْقِصَاصُ عَنْ الْعَامِدِ (وَأَمَّا ذُو الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ فَقِيلَ تَأْوِيلُهُ) أَيْ تَأْوِيلُ سُقُوطِ الْحَدِّ عَنْ الْكُلِّ (أَنْ يَكُونَ الْمَالُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِمْ) وَفِي الْقُطَّاعِ ذُو رَحِمِ مَحْرَمٍ مِنْ أَحَدِهِمْ فَلَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الْبَاقِينَ بِاعْتِبَارِ نَصِيبِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ وَتَصِيرُ شُبْهَةً فِي نَصِيبِ الْبَاقِينَ فَلَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ شَيْءٌ وَاحِدٌ، فَإِذَا امْتَنَعَ فِي حَقِّ أَحَدِهِمْ بِسَبَبِ الْقَرَابَةِ يَمْتَنِعُ فِي حَقِّ الْبَاقِينَ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنِ الْمَالُ مُشْتَرَكًا؛ فَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ الْمَالَ إلَّا مِنْ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ أَخَذُوا مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ يُحَدُّونَ بِاعْتِبَارِ الْمَأْخُوذِ مِنْ ذَلِكَ الْغَيْرِ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مُجْرَى عَلَى الْإِطْلَاقِ) وَأَنَّهُمْ لَا يُحَدُّونَ بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّ مَالَ جَمِيعِ الْقَافِلَةِ فِي حَقِّ قُطَّاعِ الطُّرُقِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ مُحْرَزٌ بِحِرْزٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ الْقَافِلَةُ (وَالْجِنَايَةُ وَاحِدَةٌ) وَهِيَ قَطْعُ الطَّرِيقِ (فَالِامْتِنَاعُ فِي حَقِّ الْبَعْضِ لَا يُوجِبُ الِامْتِنَاعَ فِي حَقِّ الْبَاقِينَ) بِخِلَافِ السَّرِقَةِ مِنْ حِرْزَيْنِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْفِعْلَيْنِ هُنَاكَ مُنْفَصِلٌ عَنْ الْآخَرِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، وَإِذَا كَانَ فِي الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِمْ شَرِيكٌ مُفَاوِضٌ لِبَعْضِ الْقُطَّاعِ لَا يُحَدُّونَ كَذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ.قولهُ: (بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِيهِمْ) أَيْ فِي الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِمْ وَهُوَ الْقَافِلَةُ (مُسْتَأْمَنٌ) جَوَابٌ عَنْ مُقَدَّرٍ هُوَ أَنَّ الْقَطْعَ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ وَحْدَهُ لَا يُوجِبُ حَدَّ الْقَطْعِ كَمَا عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ، ثُمَّ عِنْدَ اخْتِلَاطِ ذِي الرَّحِمِ، الْقَاطِعُ مَعَ غَيْرِهِ مِنْ الْقَافِلَةِ صَارَ شُبْهَةً فِي الْحَدِّ، فَكَذَا يَجِبُ عِنْدَ اخْتِلَاطِ الْمُسْتَأْمَنِ كَذَلِكَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يُقَامُ الْحَدُّ عَلَيْهِمْ.أَجَابَ بِأَنَّ (الِامْتِنَاعَ فِي حَقِّ الْمُسْتَأْمَنِ إنَّمَا كَانَ لِخَلَلٍ فِي عِصْمَةِ نَفْسِهِ وَمَالِهِ، وَهُوَ أَمْرٌ يَخُصُّهُ، أَمَّا هُنَا الِامْتِنَاعُ لِخَلَلٍ فِي الْحِرْزِ وَالْقَافِلَةُ حِرْزٌ وَاحِدٌ) فَيَصِيرُ كَأَنَّ الْقَرِيبَ سَرَقَ مَالَ الْقَرِيبِ وَغَيْرِ الْقَرِيبِ مِنْ بَيْتِ الْقَرِيبِ (وَإِذَا سَقَطَ الْحَدُّ صَارَ الْقَتْلُ إلَى الْأَوْلِيَاءِ إنْ شَاءُوا عَفَوْا وَإِنْ شَاءُوا اقْتَصُّوا) وَيَجْرِي الْحَالُ فِي الْمَالِ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ قَرِيبٍ، وَلَوْ لَمْ يَقَعْ الْقَتْلُ وَالْأَخْذُ إلَّا فِي الْمُسْتَأْمَنِينَ لَا حَدَّ عَلَيْهِمْ، وَلَكِنْ يَضْمَنُونَ أَمْوَالَ الْمُسْتَأْمَنِينَ لِثُبُوتِ عِصْمَةِ أَمْوَالِهِمْ لِلْحَالِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْصُومًا عَلَى التَّأْبِيدِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.متن الهداية:(وَإِذَا قَطَعَ بَعْضُ الْقَافِلَةِ الطَّرِيقَ عَلَى الْبَعْضِ لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ) لِأَنَّ الْحِرْزَ وَاحِدٌ فَصَارَتْ الْقَافِلَةُ كَدَارٍ وَاحِدَةٍ.الشَّرْحُ:قولهُ: (وَإِذَا قَطَعَ بَعْضُ الْقَافِلَةِ الطَّرِيقَ عَلَى الْبَعْضِ لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ لِأَنَّ الْحِرْزَ وَاحِدٌ) وَهُوَ الْقَافِلَةُ فَصَارَ كَسَارِقٍ سَرَقَ مَتَاعَ غَيْرِهِ، وَهُوَ مَعَهُ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ فَلَا يَجِبُ الْحَدُّ، وَإِذَا لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ وَجَبَ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ إنْ قَتَلَ عَمْدًا بِحَدِيدَةٍ أَوْ بِمُثَقَّلٍ عِنْدَهُمَا وَرَدُّ الْمَالِ إنْ أَخَذَهُ، وَهُوَ قَائِمٌ وَضَمَانُهُ إنْ هَلَكَ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ.متن الهداية:(وَمَنْ قَطَعَ الطَّرِيقَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فِي الْمِصْرِ أَوْ بَيْنَ الْكُوفَةِ وَالْحِيرَةِ فَلَيْسَ بِقَاطِعِ الطَّرِيقِ) اسْتِحْسَانًا.وَفِي الْقِيَاسِ يَكُونُ قَاطِعَ الطَّرِيقِ وَهُوَ قول الشَّافِعِيِّ لِوُجُودِهِ حَقِيقَةً.وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجِبُ الْحَدُّ إذَا كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ إنْ كَانَ بِقُرْبِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ.وَعَنْهُ إنْ قَاتَلُوا نَهَارًا بِالسِّلَاحِ أَوْ لَيْلًا بِهِ أَوْ بِالْخَشَبِ فَهُمْ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ لِأَنَّ السِّلَاحَ لَا يَلْبَثُ وَالْغَوْثُ يُبْطِئُ بِاللَّيَالِيِ، وَنَحْنُ نَقول: إنَّ قَطْعَ الطَّرِيقِ بِقَطْعِ الْمَارَّةِ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي الْمِصْرِ وَيَقْرُبُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ لُحُوقُ الْغَوْثِ، إلَّا أَنَّهُمْ يُؤْخَذُونَ بِرَدِّ الْمَالِ أَيْضًا لَا لِلْحَقِّ إلَى الْمُسْتَحِقِّ، وَيُؤَدَّبُونَ وَيُحْبَسُونَ لِارْتِكَابِهِمْ الْجِنَايَةَ، وَلَوْ قَتَلُوا فَالْأَمْرُ فِيهِ إلَى الْأَوْلِيَاءِ لِمَا بَيَّنَّا.الشَّرْحُ:قولهُ: (وَمَنْ قَطَعَ الطَّرِيقَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فِي الْمِصْرِ أَوْ بَيْنَ الْكُوفَةِ وَالْحِيرَةِ) وَهِيَ مَنْزِلُ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ قَرِيبٌ مِنْ الْكُوفَةِ بِحَيْثُ يَتَّصِلُ عُمْرَانُ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى (فَلَيْسَ بِقَاطِعِ الطَّرِيقِ اسْتِحْسَانًا) وَكَذَا بَيْنَ الْقَرْيَتَيْنِ، وَحَدَّ بَعْضُهُمْ مَكَانَ الْقَطْعِ أَنْ يَكُونَ فِي قَرْيَةٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمِصْرِ مَسِيرَةُ سَفَرٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ (وَفِي الْقِيَاسِ) أَنْ (يَكُونَ قَاطِعًا وَهُوَ قول الشَّافِعِيِّ) فَإِنَّ فِي وَجِيزِهِمْ: مَنْ أَخَذَ فِي الْبَلَدِ مَالًا مُغَالَبَةً فَهُوَ قَاطِعُ طَرِيقٍ (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ) إذَا كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ وَلَوْ بِقُرْبٍ مِنْهُ يَجِبُ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ؛ لِأَنَّهُ مُحَارِبٌ بَلْ مُجَاهَرَتُهُ هُنَا أَغْلَظُ مِنْ مُجَاهَرَتِهِ فِي الْمَفَازَةِ.وَلَا تَفْصِيلَ فِي النَّصِّ فِي مَكَانِ الْقَطْعِ.وَعَنْ مَالِكٍ كُلُّ مَنْ أَخَذَ الْمَالَ عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ لِصَاحِبِهِ الِاسْتِغَاثَةُ فَهُوَ مُحَارِبٌ.وَعَنْهُ لَا مُحَارَبَةُ إلَّا عَلَى قَدْرِ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنْ الْعُمْرَانِ.وَتَوَقَّفَ أَحْمَدُ مَرَّةً وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ أَنْ يَكُونَ بِمَوْضِعٍ لَا يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ) فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى إنْ قَصْدَهُ بِالسِّلَاحِ نَهَارًا فِي الْمِصْرِ فَهُوَ قَاطِعٌ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِهِ مِنْ الْخَشَبِ وَنَحْوِهِ فَلَيْسَ بِقَاطِعٍ، وَفِي اللَّيْلِ يَكُونُ قَاطِعًا بِالْخَشَبِ وَالْحَجَرِ (لِأَنَّ السِّلَاحَ لَا يَلْبَثُ) فَيَتَحَقَّقُ الْقَطْعُ قَبْلَ الْغَوْثِ (وَالْغَوْثُ يُبْطِئُ بِاللَّيَالِيِ) فَيَتَحَقَّقُ بِلَا سِلَاحٍ.وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: الْفَتْوَى عَلَى قول أَبِي يُوسُفَ.قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَنَحْنُ نَقول: إنَّ قَطْعَ الطَّرِيقِ بِقَطْعِ الْمَارَّةِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي الْمِصْرِ وَمَا يَقْرُبُ مِنْهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ لُحُوقُ الْغَوْثِ) وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ الْحَدَّ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ لَمْ يُنَطْ بِمُسَمَّى قَطْعِ الطَّرِيقِ، وَإِنَّمَا هُوَ اسْمٌ بَيْنَ النَّاسِ، وَإِنَّمَا أُنِيطَ بِمُحَارَبَةِ عِبَادِ اللَّهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَقْدِيرِ الْمُضَافِ وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ فِي الْمِصْرِ وَخَارِجِهِ، ثُمَّ هَذَا الدَّلِيلُ الْمَذْكُورُ لَا يُفِيدُ تَعْيِينَ مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بَيْنَ الْمِصْرِ وَالْقَاطِعِ.وَلَا شَكَّ فِي أَنْ لَيْسَ لُحُوقُ الْغَوْثِ فِي ذَلِكَ الْمِقْدَارِ ظَاهِرًا وَهُوَ مَا عَلَّلَ بِهِ لِلظَّاهِرِ، وَإِذَا قُلْنَا: إنَّهُمْ لَيْسُوا قُطَّاعًا فَسَبِيلُهُمْ أَنْ يُضْرَبُوا وَيُحْبَسُوا، وَإِنْ قَتَلُوا لَزِمَ الْقِصَاصُ وَأَحْكَامُهُ، وَإِنْ أَخَذُوا مَالًا ضَمِنُوهُ إذَا أَتْلَفُوهُ، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُمْ قُطَّاعٌ إنْ قَتَلُوا قُتِلُوا حَدًّا فَلَا يُقْبَلُ عَفْوَ الْأَوْلِيَاءِ فِيهِمْ ثُمَّ لَا يَضْمَنُونَ عَلَى مَا سَمِعْت.وَقولهُ (لِمَا بَيَّنَّا) أَيْ مِنْ قولهِ لِظُهُورِ حَقِّ الْعَبْدِ عِنْدَ انْدِفَاعِ الْحَدِّ.متن الهداية:(وَمَنْ خَنَقَ رَجُلًا حَتَّى قَتَلَهُ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْقَتْلِ بِالْمُثْقَلِ، وَسَنُبَيِّنُ فِي بَابِ الدِّيَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَإِنْ خَنَقَ فِي الْمِصْرِ غَيْرَ مَرَّةٍ قُتِلَ بِهِ)؛ لِأَنَّهُ صَارَ سَاعِيًا فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ فَيُدْفَعُ شَرُّهُ بِالْقَتْلِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.الشَّرْحُ:قولهُ: (وَمَنْ خَنَقَ رَجُلًا حَتَّى قَتَلَهُ لَزِمَتْهُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْقَتْلِ بِالْمُثْقَلِ، وَسَنُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الدِّيَاتِ) وَظَاهِرٌ أَنَّهَا لَيْسَتْ مَسْأَلَةَ الْمُثْقَلِ، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى أَنَّهَا مِثْلُهَا فِي ثُبُوتِ الشُّبْهَةِ عِنْدَهُ فِي الْعَمْدِ حَيْثُ كَانَتْ الْآلَةُ فِيهَا قُصُورٌ يُوجِبُ التَّرَدُّدَ فِي أَنَّهُ قَصَدَ قَتْلَهُ بِهَذَا الْفِعْلِ أَوْ قَصَدَ الْمُبَالَغَةَ فِي إيلَامِهِ وَإِدْخَالَ الضَّرَرِ عَلَى نَفْسِهِ فَاتَّفَقَ مَوْتُهُ وَعَدَمُ احْتِمَالِهِ لِذَلِكَ (فَإِنْ خَنَقَ غَيْرَ مَرَّةٍ قُتِلَ) الْآنَ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ قَصْدُهُ إلَى الْقَتْلِ بِالتَّخْنِيقِ حَيْثُ عُرِفَ إفْضَاؤُهُ إلَى الْقَتْلِ ثُمَّ صَارَ يَعْتَمِدُهُ (وَلِأَنَّهُ صَارَ سَاعِيًا فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ) وَكُلُّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ (يُدْفَعُ شَرُّهُ بِالْقَتْلِ).فُرُوعٌ:نَصَّ فِي الْأَصْلِ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ وَالْمَرْأَةَ فِي حُكْمِ قَطْعِ الطَّرِيقِ كَغَيْرِهِمَا، أَمَّا الْعَبْدُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَكَغَيْرِهَا فِي السَّرِقَةِ الْكُبْرَى فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الطَّحَاوِيِّ لِأَنَّ الْوَاجِبَ قَطْعٌ وَقَتْلٌ وَهِيَ كَالرَّجُلِ فِي جَرَيَانِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَيْهَا عِنْدَ تَحَقُّقِ السَّبَبِ مِنْهَا.وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ حَدَّ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ لَا يَجِبُ عَلَى النِّسَاءِ، لِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْمُحَارَبَةُ، وَالْمَرْأَةُ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ لَيْسَتْ مُحَارِبَةً كَالصَّبِيِّ؛ أَلَا يُرَى أَنَّهَا فِي اسْتِحْقَاقِ مَا يُسْتَحَقُّ بِالْمُحَارَبَةِ وَهُوَ السَّهْمُ مِنْ الْغَنِيمَةِ لَا يُسَوَّى بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فَكَذَا فِي الْعُقُوبَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ بِالْمُحَارَبَةِ، وَلَكِنْ يَرِدُ عَلَى هَذَا الْعَبْدُ فَإِنَّهُ لَا يُسَاوِي الْحُرَّ فِي اسْتِحْقَاقِ الْغَنِيمَةِ وَيُسَاوِيهِ فِي هَذَا الْحَدِّ.وَفِي الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ الْعُقُوبَةِ وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي النِّسَاءِ.وَذَكَرَ هِشَامٌ فِي نَوَادِرِهِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: إذَا قَطَعَ قَوْمٌ الطَّرِيقَ وَمَعَهُمْ امْرَأَةٌ فَبَاشَرَتْ الْمَرْأَةُ الْقَتْلَ وَأَخَذَتْ الْمَالَ دُونَ الرِّجَالِ فَإِنَّهُ يُقَامُ الْحَدُّ عَلَيْهِمْ لَا عَلَيْهَا.وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَامُ عَلَيْهَا وَلَا يُقَامُ عَلَيْهِمْ.وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّهُ يُدْرَأُ عَنْهُمْ جَمِيعًا لِكَوْنِ الْمَرْأَةِ فِيهِمْ وَجَعَلَ الْمَرْأَةَ كَالصَّبِيِّ.وَالْعَجَبُ مِمَّنْ يَذْكُرُ هَذِهِ، أَعْنِي كَوْنَ الْمَرْأَةِ مَعَ الرِّجَالِ فِي الْقَطْعِ ثُمَّ يَقْتَصِرُ عَلَى ذِكْرِ الْخِلَافِ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِيهَا وَيَذْكُرُ حَاصِلَ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُمَا وَيَتْرُكُ نَقَلَ مَا فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ أَنَّهَا كَالرِّجَالِ مَنْسُوبًا إلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَعَ مُسَاعَدَةِ الْوَجْهِ وَوُرُودِ النَّقْضِ الصَّحِيحِ عَلَى مُخْتَارِ الْكَرْخِيِّ بِالْعَبْدِ كَمَا ذَكَرْنَا.وَمِمَّنْ نَقَلَ ذَلِكَ صَاحِبُ الدِّرَايَةِ وَصَاحِبُ الْفَتَاوَى الْكُبْرَى وَالْمُصَنَّفُ فِي التَّجْنِيسِ وَغَيْرُهُمْ مَعَ ضَعْفِ الْأَوْجُهِ الْمَذْكُورَةِ فِي التَّفْرِقَةِ مِثْلَ الْفَرْقِ بِضَعْفِ الْبَيِّنَةِ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ مِنْ الْكَلَامِ الضَّعِيفِ مَعَ مُصَادَمَتِهِ إطْلَاقَ الْكِتَابِ الْمُحَارِبِينَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ.وَمَا فِي النَّوَازِلِ مِنْ قولهِ عَشْرُ نِسْوَةٍ قَطَعْنَ الطَّرِيقَ فَقَتَلْنَ وَأَخَذْنَ الْمَالَ قُتِلْنَ وَضَمِنَّ الْمَالَ بِنَاءً عَلَى غَيْرِ الظَّاهِرِ مِنْ أَنَّهُنَّ لَسْنَ مُحَارِبَاتٍ.وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا قَاتَلَتْ الْعَدُوَّ وَأُسِرَتْ لَمْ تُقْتَلْ، وَإِنَّمَا قُتِلْنَ بِقَتْلِهِنَّ وَالضَّمَانُ لِأَخْذِهِنَّ الْمَالَ، وَيَثْبُتُ قَطْعُ الطَّرِيقِ بِالْإِقْرَارِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَأَبُو يُوسُفَ شَرَطَ مَرَّتَيْنِ كَقولهِ فِي السَّرِقَةِ الصُّغْرَى وَيُقْبَلُ رُجُوعُ الْقَاطِعِ كَمَا فِي السَّرِقَةِ الصُّغْرَى فَيَسْقُطُ الْحَدُّ وَيُؤْخَذُ بِالْمَالِ إنْ كَانَ أَقَرَّ بِهِ مَعَهُ وَبِالْبَيِّنَةِ بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ عَلَى مُعَايَنَةِ الْقَطْعِ أَوْ الْإِقْرَارِ، فَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْمُعَايَنَةِ، وَالْآخَرُ عَلَى إقْرَارِهِمْ بِهِ لَا يُقْبَلُ، وَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِالْقَطْعِ عَلَى أَبِي الشَّاهِدِ وَإِنْ عَلَا وَابْنِهِ وَإِنْ سَفَلَ، وَلَوْ قَالَا قَطَعُوا عَلَيْنَا وَعَلَى أَصْحَابِنَا وَأَخَذُوا مَالَنَا لَا يُقْبَلُ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا لِأَنْفُسِهِمَا، وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُمْ قَطَعُوا عَلَى رَجُلٍ مِنْ عَرَضِ النَّاسِ وَلَهُ وَلِيٌّ يُعْرَفُ أَوْ لَا يُعْرَفُ لَا يُقِيمُ الْحَدَّ عَلَيْهِمْ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ الْخَصْمِ، وَلَوْ قَطَعُوا فِي دَارِ الْحَرْبِ عَلَى تُجَّارٍ مُسْتَأْمَنِينَ أَوْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فِي مَوْضِعٍ غَلَبَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْبَغْيِ ثُمَّ أَتَى بِهِمْ إلَى الْإِمَامِ لَا يَمْضِي عَلَيْهِمْ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُمْ بَاشَرُوا السَّبَبَ حِينَ لَمْ يَكُونُوا تَحْتَ يَدِهِ، وَفِي مَوْضِعٍ لَا يَجْرِي بِهِ حُكْمُهُ فَلَمْ يَنْعَقِدْ فِعْلُهُمْ مُوجِبًا عَلَيْهِ الْإِقَامَةَ عَلَيْهِمْ فَلَا يَفْعَلُهُ، وَمِثْلُهُ تَقَدَّمَ فِي الزِّنَا فِي دَارِ الْحَرْبِ.وَلَوْ رُفِعُوا إلَى قَاضٍ يَرَى تَضْمِينَهُمْ الْمَالَ فَضَمَّنَهُمْ وَسَلَّمَهُمْ إلَى أَوْلِيَاءِ الْقَوَدِ فَصَالَحُوهُمْ عَلَى الدِّيَاتِ ثُمَّ رُفِعُوا بَعْدَ زَمَانٍ إلَى قَاضٍ آخَرَ لَمْ يُقَمْ عَلَيْهِمْ الْحَدُّ، إمَّا لِتَقَادُمِ الْعَهْدِ وَفِيهِ نَظَرٌ، أَوْ لِعَدَمِ الْخَصْمِ وَقَدْ سَقَطَ خُصُومَتُهُمْ بِمَا وَصَلَ إلَيْهِمْ أَوْ لِقَضَاءِ الْأَوَّلِ فَيَتِمُّ بِذَلِكَ لِنَفَاذِهِ؛ إذْ هُوَ فِي فَصْلٍ مُجْتَهِدٍ فِيهِ مِنْ تَقَرُّرِ الضَّمَانِ.وَإِذَا قَضَى الْقَاضِي عَلَيْهِمْ بِالْقَتْلِ وَحَبَسَهُمْ لِذَلِكَ فَذَهَبَ أَجْنَبِيٌّ فَقَتَلَهُمْ.لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ قَطَعَ يَدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا سَقَطَتْ حُرْمَةُ نَفْسِهِ سَقَطَتْ حُرْمَةُ أَطْرَافِهِ، وَلَوْ قَتَلَهُ قَبْلَ الثُّبُوتِ عَلَيْهِ ثُمَّ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِقَطْعِهِ لِلطَّرِيقِ اُقْتُصَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا مَعْصُومَةً، ثُمَّ لَا يَقْضِي الْقَاضِي بِحِلِّ دَمِهِ بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ بَعْدَ مَا قَتَلَ لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ، فَوُجُودُ هَذِهِ الْبَيِّنَةِ كَعَدَمِهَا، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ وَلِيَّ الَّذِي قَتَلَهُ الْقَاطِعُ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِظُهُورِ أَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّ نَفْسِهِ.وَلَوْ أَنَّ لُصُوصًا أَخَذُوا مَتَاعَ قَوْمٍ فَاسْتَعَانُوا بِقَوْمٍ وَخَرَجُوا فِي طَلَبِهِمْ إنْ كَانَ أَرْبَابُ الْمَتَاعِ مَعَهُمْ حَلَّ قِتَالُهُمْ، وَكَذَا إذَا غَابُوا وَالْخَارِجُونَ يَعْرِفُونَ مَكَانَهُمْ وَيَقْدِرُونَ عَلَى رَدِّ الْمَتَاعِ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانُوا لَا يَعْرِفُونَ مَكَانَهُمْ وَلَا يَقْدِرُونَ عَلَى الرَّدِّ عَلَيْهِمْ لَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوهُمْ؛ لِأَنَّ الْقِتَالَ لِلِاسْتِرْدَادِ لِلرَّدِّ عَلَى أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ وَلَا قُدْرَةَ عَلَى الرَّدِّ، وَلَوْ اقْتَتَلُوا مَعَ قَاطِعٍ فَقَتَلُوهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ قَتَلُوهُ لِأَجْلِ مَالِهِمْ، فَإِنْ فَرَّ مِنْهُمْ إلَى مَوْضِعٍ أَوْ تَرَكُوهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى قَطْعِ الطَّرِيقِ عَلَيْهِمْ فَقَتَلُوهُ كَانَ عَلَيْهِمْ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّهُمْ قَتَلُوهُ لَا لِأَجْلِ مَالِهِمْ، وَكَذَا لَوْ فَرَّ رَجُلٌ مِنْ الْقُطَّاعِ فَلَحِقُوهُ وَقَدْ أَلْقَى نَفْسَهُ فِي مَكَانٍ لَا يَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى قَطْعِ الطَّرِيقِ فَقَتَلُوهُ كَانَ عَلَيْهِمْ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّ قَتْلَهُمْ إيَّاهُ لَا لِأَجْلِ الْخَوْفِ عَلَى الْأَمْوَالِ، وَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُقَاتِلَ دُونَ مَالِهِ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ نِصَابًا وَيَقْتُلَ مَنْ يُقَاتِلُهُ عَلَيْهِ لِإِطْلَاقِ قولهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ».
|